قال الاقتصادي الأميركي جيفري ساكس اليوم الأربعاء إن حل القضية القبرصية لن يعود بالنفع "الهائل" على رفاهية سكان البلاد فحسب، بل سيؤدي أيضاً إلى "طفرة اقتصادية كبيرة". جاء ذلك خلال الكلمة الرئيسية المرئية التي ألقاها في المنتدى الاقتصادي الرابع لحزب أكيل، الذي عُقد في نيقوسيا.
أعرب ساكس عن أمله في أن يحمل التغيير الأخير في القيادة القبرصية التركية فرصة حقيقية لإحراز تقدم نحو حل القضية القبرصية. كما تطرق إلى دور قبرص في قيادة منطقة شرق المتوسط نحو مستقبل أخضر ومستدام.
وأشار إلى أن أوروبا تقاد حالياً من قبل "دعاة حرب"، وأن قبرص "تدفع ثمن ذلك". وبصفته أيضاً أحد المدافعين عن أهداف التنمية المستدامة لدى الأمين العام للأمم المتحدة، أكد ساكس أن منطقة شرق المتوسط، شأنها شأن العالم بأسره، تحتاج إلى التحول إلى الطاقة المتجددة والتخلي عن خطط استخراج المزيد من الغاز الطبيعي.
وأوضح أن الحروب والنزاعات ما هي إلا تحويلاً شديداً عن الأزمة البيئية المتفاقمة. وأضاف "كل شيء سيكون أفضل مع السلام"، مشيراً إلى أن قبرص تعاني من عواقب الصراعات في المنطقة. وقال إن الجزيرة ما زالت مقسمة، وإن هذا التقسيم - إلى جانب تأثير الحرب في أوكرانيا على العلاقات مع روسيا في مجالات السياحة والمال والأعمال - يفرض "تكاليف اقتصادية كبيرة".
ووصف الحرب الدائرة على مقربة من قبرص في غزة وإسرائيل، بأنها "ضربة مدمرة للمنطقة". وأضاف: "هذه الحروب - سواء كان الصراع مع تركيا، أو الحرب بين الناتو وروسيا في أوكرانيا، أو حرب إسرائيل على فلسطين - تفرض أعباءً ضخمة، ليس فقط على قبرص، بل على أوروبا بأكملها، التي تعيش أزمة عميقة قي تدهور للأسف بدلاً من التحسن".
أعرب ساكس عن أسفه لأن أوروبا "تدار قيادةً بشكل سيئ للغاية في الوقت الراهن"، معتبراً أن الذين يقودونها "يسعون إلى المزيد من الصراع بدلاً من حل مشاكل المنطقة". وأضاف أن موقف الاتحاد الأوروبي من حرب أوكرانيا "سيدمر مالية أوروبا وسمعتها الاقتصادية عالمياً".
قال ساكس "للأسف، إن فون دير لاين تدفع نحو الحرب وميرتس يدفع نحو الحرب وستارمر يدفع نحو الحرب وماكرون يدفع نحو الحرب، وأعتقد أن قبرص تدفع ثمن ذلك". وأكد أن جزءاً كبيراً من أوروبا غارق في "رُهاب روسيا"، وفي أوهام أن موسكو تستعد لمهاجمة برلين أو باريس، مضيفاً أن "هذا ضرب من الخيال" ورأى أن جوهر الحرب هو معارضة روسيا لتوسع الناتو في أوكرانيا.
وتابع "هذه حرب تسببت فيها الولايات المتحدة، لكن لسبب ما يريد القادة الأوروبيون استمرارها". وقال إن هؤلاء القادة “يريدون من الدول أن تنفق 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على التسلح، وهو أمر غير معقول، في حين يمكن إنهاء الحرب دبلوماسياً إذا أصبحت أوكرانيا دولة محايدة، وتوقف الناتو عن التوسع شرقاً، وتوقف دعاة الحرب عن أحلامهم بالتصعيد".
وأعرب ساكس عن رغبته في أن تتوقف الحروب "حتى تتمكن قبرص من تنمية أعمالها واقتصادها وسياحتها وأنظمة طاقتها الخضراء، وتقوية روابطها مع الشرق الأوسط وروسيا، وهي الروابط التي لطالما ميزت موقعها كجسر حضاري عبر التاريخ".
أضاف أنه إذا أمكن حل الأزمة السياسية التي قسمت قبرص لعقود، فإن ذلك "سيحقق فوائد هائلة لرفاه شعبكم الرائع"، نظراً لأن الناس لديهم جذور تمتد إلى كافة أنحاء الجزيرة. وأوضح أن الحل سيؤدي إلى ازدهار في السياحة والبناء والاستثمار، وأن التعاون التجاري بين قبرص وتركيا يمكن أن يكون واسعاً وفعالاً، مع "انعكاسات إيجابية جداً".
وأعرب عن أمله في أن يكون التغيير القيادي الأخير في الجزء الشمالي المحتل من تركيا "بشرى بإمكانية توحيد حقيقي للجزيرة والانتقال إلى حل ثنائي القومية، وهو ما سيعود بالفائدة الكبيرة على بلدكم".
أشار ساكس إلى أن كل هذه الحروب "لا تُكلّف فقط أرواحاً ومعاناة وأثماناً اقتصادية باهظة، بل تشكل أيضاً إلهاءً خطيراً عن القضية الجوهرية، وهي الأزمة البيئية الطويلة الأمد التي تكتسح العالم تدريجياً".
وأوضح أن شرق المتوسط "شديد الهشاشة" أمام التغيرات البيئية الناجمة عن نشاط الإنسان، وأنه يناقش هذه المسألة منذ عشرين عاماً مع علماء من معهد قبرص وجامعة فريدريك ومراكز أكاديمية أخرى في البلاد.
وقال إنه شجع "منذ سنوات"، وبالتعاون مع الرئيس القبرصي آنذاك نيكوس أناستاسياديس ومعهد قبرص، جهوداً لجمع دول شرق المتوسط والشرق الأوسط للعمل معاً على تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ والتحول إلى الطاقة المتجددة.
أضاف "قبرص تتمتع بشمس رائعة وبإمكانات كبيرة للطاقة الشمسية، وبعلماء متميزين يفهمون هذه القضايا بعمق". أما بشأن الغاز الطبيعي في المتوسط، فقال إن “الجميع ليهم قصر نظر"، معتبراً أن استخراج المزيد من الغاز هو "آخر ما تحتاجه المنطقة"، وأن المطلوب هو التحول إلى الطاقة المتجددة "كما يفعل العالم بأسره".
تابع ساكس "أريد أن تتوقف الحروب، ليس فقط لأنها مدمرة، بل لأننا بحاجة إلى إعادة توجيه اهتمامنا نحو استدامتنا الاجتماعية والبيئية على المدى الطويل". ورأى أن قبرص، التي تقع "في قلب الحضارة"، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التحول نحو التنمية المستدامة.
وقال "لكن علينا أولًا إنهاء الحربين في أوكرانيا وغزة، والعمل من أجل إعادة توحيد بلدكم الجميل، ثم تشجيع التعاون الفعال بين دول المنطقة للتركيز على القضايا الحقيقية التي يجب أن نهتم بها".
واتهم أوروبا بأنها "تتصرف للأسف كالتابع للولايات المتحدة، وأنها تتجه بسرعة نحو العسكرة، وهو نهج خاطئ تماماً”.
اختتم ساكس حديثه قائلاً "آملي أن تتحلى أوروبا بالحكمة، وأن تمتلك استقلاليتها الاستراتيجية، وأن تدافع عن مكانتها كاتحاد أخضر ورقمي وسلمي، "لكن للأسف ليس هذا حال الواقع الآن".
تجدر الإشارة إلى أن قبرص مقسمة منذ عام 1974، عندما غزت تركيا واحتلت الثلث الشمالي من الجزيرة. لم تسفر جولات التفاوض المتعددة برعاية الأمم المتحدة عن نتائج حتى الآن، فيما انتهت آخر جولة في منتجع كران مونتانا السويسري عام 2017 دون اتفاق.
واق EAN/MK/MMI/2025
نهاية الخبر، وكالة الأنباء القبرصية